يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله - وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول . . .
وهي صورة زرية داعية إلى الاحتقار والسخرية . زرية بما فيها من ضعف والتواء , وهم يبيتون ما يبيتون من الكيد والمؤامرة والخيانة ; ويستخفون بها عن الناس . والناس لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا . بينما الذي يملك النفع والضر معهم وهم يبيتون ما يبيتون ; مطلع عليهم وهم يخفون نياتهم ويستخفون . وهم يزورون من القول مالا يرضاه ! فأي موقف يدعو إلى الزراية والاستهزاء أكثر من هذا الموقف ?
(وكان الله بما يعملون محيطًا . . .
إجمالا وإطلاقا . . فأين يذهبون بما يبيتون . والله معهم إذ يبيتون . والله بكل شيء محيط وهم تحت عينه وفي قبضته ?
وتستمر الحملة التي يفوح منها الغضب ; على كل من جادل عن الخائنين:
قال ابن رجب : فتقوى الله في السر ، هي علاقة كمال الإيمان ، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين .
قال أبو الدرداء : ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، يخلو بمعاصي الله ، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين .
وقال سليمان التميمي : إن الرجل ليصيب الذنب في السر ، فيصبح وعليه مذلته .
وقال غيره : إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه .
وهذا أعظم الأدلة على وجود الإله الحق ، المجازي بذرات الأعمال في الدنيا والآخرة ، ولا يضيع عنده عمل عامل ، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار .
فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله ، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله ، أصلح الله ما بينه وبين الخلق ، ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاما ً له .
ومن أعجب ما روى في هذا ، ماروي عن أبي جعفر السائح قال : كان حبيب أبو محمد تاجرا ً يكري الدراهم ، فمر ذات يوم بصبيان ، فإذا هم يلعبون ، فقال بعضهم لبعض : قد جاء آكل الربا . فنكس رأسه ، وقال : يارب ، أفشيت سري إلى الصبيان . فرجع فجمع ماله كله ، وقال : يارب ، إني أسير ، وإني قد أشتريت نفسي منك بهذا المال فأعطتقني ، فلما أصبح تصدق بالمال كله ، وأخذ في العبادة ، ثم مر ذات يوم بأولئك الصبيان ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : اسكتوا ، فقد جاء حبيب العابد . فبكى ، وقال : يارب ، أنت تذم مرة وتحمد مرة ، وكله من عندك .
قال سفيان الثوري : إن اتقيت الله كفاك الناس ، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا ً . وودع ابن عون رجلا ً فقال : عليك بتقوى الله ، فإن المتقي ليست عليه وحشة .
قال زيد بن أسلم : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة ، وفي السر والعلانية
0 comments:
Post a Comment