أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ 

في حياتهم المحدودة . والحياة كلها طرف صغير من هذا الوجود الهائل , تحكمه نواميس وسنن مستكنة في كيان هذا الوجود وتركيبه 

والذي لا يتصل قلبه بضمير ذلك الوجود ; ولا يتصل حسه بالنواميس والسنن التي تصرفه , يظل ينظر وكأنه لا يرى ; ويبصر الشكل الظاهر والحركة الدائرة , ولكنه لا يدرك حكمته , ولا يعيش بها ومعها . وأكثر الناس كذلك , لأن الإيمان الحق هو وحده الذي يصل ظاهر الحياة بأسرار الوجود ; وهو الذي يمنح العلم روحه المدرك لأسرار الوجود . والمؤمنون هذا الإيمان قلة في مجموع الناس . ومن ثم تظل الأكثرية محجوبة عن المعرفة الحقيقية .

(وهم عن الآخرة هم غافلون). . فالآخرة حلقة في سلسلة النشأة , وصفحة من صفحات الوجود الكثيرة . والذين لا يدركون حكمة النشأة , ولا يدركون ناموس الوجود يغفلون عن الآخرة , ولا يقدرونها قدرها , ولا يحسبون حسابها , ولا يعرفون أنها نقطة في خط سير الوجود , لا تتخلف مطلقا ولا تحيد .

والغفلة عن الآخرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختل ; وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم ; فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصورا صحيحا ; ويظل علمهم بها ظاهرا سطحيا ناقصا , لأن حساب الآخرة في ضمير الإنسان يغير نظرته لكل ما يقع في هذه الأرض . فحياته على الأرض إن هي إلا مرحلة قصيرة من رحلته الطويلة في الكون . ونصيبه في هذه الأرض إن هو إلا قدر زهيد من نصيبه الضخم في الوجود . والأحداث والأحوال التي تتم في هذه الأرض إن هي إلا فصل صغير من الرواية الكبيره . ولا ينبغي أن يبني الإنسان حكمه على مرحلة قصيرة من الرحلة الطويلة , وقدر زهيد من النصيب الضخم , وفصل صغير من الرواية الكبيرة !

ومن ثم لا يلتقي إنسان يؤمن بالآخرة ويحسب حسابها , مع آخر يعيش لهذه الدنيا وحدها ولا ينتظر ما وراءها . لا يلتقي هذا وذاك في تقدير أمر واحد من أمور هذه الحياة , ولا قيمة واحدة من قيمها الكثيرة ; ولا يتفقان في حكم واحد على حادث أو حالة أو شأن من الشؤون . فلكل منهما ميزان , ولكل منهما زاوية للنظر , ولكل منهما ضوء يرى عليه الأشياء والأحداث والقيم والأحوال . . هذا يرى ظاهرا من الحياة الدنيا ; وذلك يدرك ما وراء الظاهر من روابط وسنن , ونواميس شاملة للظاهر والباطن , والغيب والشهادة , والدنيا والآخرة , والموت والحياة , والماضي والحاضر والمستقبل , وعالم الناس والعالم الأكبر الذي يشمل الأحياء وغير الأحياء . . وهذا هو الأفق البعيد الواسع الشامل الذي ينقل الإسلام البشرية إليه ; ويرفعها فيه إلى المكان الكريم اللائق بالإنسان . الخليفة في الأرض . المستخلف بحكم ما في كيانه من روح الله .



0 comments: