أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ

وهي حال أشبه شيء بحال مكة . جعل الله فيها البيت , وجعلها بلدا حراما من دخله فهو آمن مطمئن , لا تمتد إليه يد ولو كان قاتلا , ولا يجرؤ أحد على إيذائه وهو في جوار بيت الله الكريم . وكان الناس يتخطفون من حول البيت وأهل مكة في حراسته وحمايته آمنون مطمئنون . كذلك كان رزقهم يأتيهم هينا هنيئا من كل مكان مع الحجيج ومع القوافل الآمنة , مع أنهم في واد قفر جدب غير ذي زرع , فكانت تجبي إليهم ثمرات كل شيء فيتذوقون طعم الأمن وطعم الرغد منذ دعوة إبراهيم الخليل .

ثم إذا رسول منهم , يعرفونه صادقا أمينا , ولا يعرفون عنه ما يشين , يبعثه الله فيهم رحمة لهم وللعالمين , دينه دين إبراهيم باني البيت الذي ينعمون في جواره بالأمن والطمأنينة والعيش الرغيد ; فإذا هم يكذبونه , ويفترون عليه الافتراءات , وينزلون به وبمن اتبعوه الأذى . وهم ظالمون .

والمثل الذي يضربه الله لهم منطبق على حالهم , وعاقبة المثل أمامهم . مثل القرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله , وكذبت رسوله (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)وأخذ قومها العذاب وهم ظالمون .

ويجسم التعبير الجوع والخوف فيجعله لباسا ; ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا , لأن الذوق أعمق أثرا في الحس من مساس اللباس للجلد . وتتداخل في التعبير استجابات الحواس فتضاعف مس الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره وتغلغله في النفوس . لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم لتأخذهم وهم ظالمون .

وفي ظل هذا المثل الذي تخايل فيه النعمة والرزق , كما يخايل فيه المنع والحرمان , يأمرهم بالأكل مما أحل لهم من الطيبات وشكر الله على نعمته إن كانوا يريدون أن يستقيموا على الإيمان الحق بالله , وأن يخلصوا له

0 comments: