أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ


ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا , ويشهد الله على ما في قلبه , وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل , والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له:اتق الله أخذته العزة بالإثم , فحسبه جهنم ولبئس المهاد . . ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله , والله رؤوف بالعباد). .

هذه اللمسات العجيبة من الريشة المبدعة في رسم ملامح النفوس , تشي بذاتها بأن مصدر هذا القول المعجز ليس مصدرا بشريا على الإطلاق . فاللمسات البشرية لا تستوعب - في لمسات سريعة كهذه - أعمق خصائص النماذج الإنسانية , بهذا الوضوح , وبهذا الشمول .

إن كل كلمة أشبه بخط من خطوط الريشة في رسم الملامح وتحديد السمات . . وسرعان ما ينتفض النموذج المرسوم كائنا حيا , مميز الشخصية . حتى لتكاد تشير بأصبعك إليه , وتفرزه من ملايين الأشخاص , وتقول:هذا هو الذي أراد إليه القرآن ! . . إنها عملية خلق أشبه بعملية الخلق التي تخرج كل لحظة من يد الباريء في عالم الأحياء !

هذا المخلوق الذي يتحدث , فيصور لك نفسه خلاصة من الخير , ومن الإخلاص , ومن التجرد , ومن الحب , ومن الترفع , ومن الرغبة في إفاضة الخير والبر والسعادة والطهارة على الناس . . هذا الذي يعجبك حديثه . تعجبك ذلاقة لسانه , وتعجبك نبرة صوته , ويعجبك حديثه عن الخير والبر والصلاح . . (ويشهد الله على ما في قلبه). . زيادة في التأثير والإيحاء , وتوكيدا للتجرد والإخلاص , وإظهارا للتقوى وخشية الله . . (وهو ألد الخصام)! تزدحم نفسه باللدد والخصومة , فلا ظل فيها للود والسماحة , ولا موضع فيها للحب والخير , ولا مكان فيها للتجمل والإيثار

هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه , ويتنافر مظهره ومخبره . . هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان .

0 comments: