وهي كذلك صورة للنفس التي لا ترتبط بخط ثابت تقيس إليه أمرها في جميع الأحوال ; وميزان دقيق لا يضطرب مع التقلبات . والناس هنا مقصود بهم أولئك الذين لا يرتبطون بذلك الخط ولا يزنون بهذا الميزان . فهم يفرحون بالرحمة فرح البطر الذي ينسيهم مصدرها وحكمتها , فيطيرون بها , ويستغرقون فيها , ولا يشكرون المنعم , ولا يستيقظون إلى ما في النعمة من امتحان واتبلاء . حتى إذا شاءت إرادة الله أن تأخذهم بعملهم فتذيقهم حالة(سيئة)عموا كذلك عن حكمة الله في الابتلاء بالشدة , وفقدوا كل رجاء في أن يكشف الله عنه الغمة ; وقنطوا من رحمته ويئسوا من فرجه . . وذلك شأن القلوب المنقطعة عن الله , التي لا تدرك سننه ولا تعرف حكمته . أولئك الذين لا يعلمون . يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا !
ويعقب على هذه الصورة بسؤال استنكاري يعجب فيه من أمرهم , وقصر نظرهم وعمى بصيرتهم . فالأمر في السراء والضراء يتبع قانونا ثابتا , ويرجع إلى مشيئة الله سبحانه , فهو الذي ينعم بالرحمة , ويبتلي بالشدة ; ويبسط الرزق ويضيقه وفق سنته , وبمقتضى حكمته . وهذا ما يقع كل آن , ولكنهم هم لا يبصرون:
(أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ?). .
فلا داعي للفرح والبطر عند البسط , ولا لليأس والقنوط عند القبض ; فإنما هي أحوال تتعاور الناس وفق حكمة الله , وفيها للقلب المؤمن دلالة على أن مرد الأمر كله لله , ودلالة على اطراد السنة , وثبات النظام , رغم تقلب الأحوال
0 comments:
Post a Comment