ينبغي لمن وقع في شدة ثم دعا أن لا يختلج في قلبه أمر من تأخير الإجابة أو عدمها.
لأن الذي إليه أن يدعو والمدعو مالك حكيم فإن لم يجب فعل ما يشاء في ملكه وإن أخر فعل بمقتضى حكمته.
فالمعترض عليه في سره خارج عن صفة عبد مزاحم بمرتبة مستحق.
ثم ليعلم أن اختيار الله عز وجل له خير من اختياره لنفسه.
فربما سأل سيلاً سال به وفي الحديث: أن رجلاً كان يسأل الله عز وجل أن يرزقه الجهاد فهتف به هاتف: إنك غزوت أسرت وإن أسرت تنصرت.
فإذا سلم العبد تحكيماً لحكمته وحكمه وأيقن أن الكل ملكه طاب قلبه قضيت حاجته أو لم تقض.
وفي الحديث: ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه.
فإما أن يعجلها وإما أن يؤخرها وإما أن يدخرها له في الآخرة.
فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.
فافهم هذه الأشياء وسلم قلبك من أن يختلج فيه ريب أو استعجال.
من أراد أن يعرف رتبة العلماء على الزهاد فلينظر في رتبة جبريل وميكائيل ومن خص من الملائكة بولاية تتعلق بالخلق وباقي الملائكة قيام للتعبد في مراتب الرهبان في الصوامع.
وقد حظي أولئك بالتقريب على مقادير علمهم بالله تعالى.
فإذا مر أحدهم بالوحي انزعج أهل السماء حتى يخبرهم بالخبر فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم.
قالوا الحق.
كما إذا انزعج الزاهد من حديث يسمعه سأل العلماء عن صحته ومعناه.
فسبحان من خص فريقاً بخصائص شرفوا بها على جنسهم.
ولا خصيصة أشرف من العلم.
بزيادته صار آدم مسجوداً له وبنقصانه صارت الملائكة ساجدة.
فأقرب الخلق من الله العلماء وليس العلم بمجرد صورته هو النافع بل معناه وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به.
فكلما دله على فضل اجتهد في نيله وكلما نهاه عن نقص بالغ في تجنبه.
فحينئذ يكشف العلم له سره ويسهل عليه طريقه فيصير كمجتذب يحث الجاذب فإذا حركه عجل في سيره.
والذي لا يعمل بالعلم لا يطلعه العلم على غوره ولا يكشف له عن سره فيكون كمجذوب لجاذب جاذبه.
فافهم هذا المثل وحسن قصدك وإلا فلا تتعب.
صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
0 comments:
Post a Comment