أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفْ مِنَ الشيطان تَذَكّرُوا فَإذَا هم مُبْصِرُونَ

من أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل‏.‏

فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافيه التقوى وإن قل إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجلة‏.‏

ومن الاغترار أن تسيء فترى إحساناً فتظن أنك قد سومحت وتنسى‏:‏ ‏
«‏ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ‏» ‏‏.‏

وربما قالت النفس‏:‏ إنه يغفر فتسامحت ولا شك أنه يغفر ولكن لمن يشاء‏.‏

وأنا أشرح لك حالاً فتأمله بفكرك تعرف معنى المغفرة‏.‏

وذلك أن من هفا هفوة لم يقصدها ولم يعزم عليها قبل الفعل ولا عزم على العود بعد الفعل ثم انتبه لما فعل فاستغفر الله كان فعله وإن دخله عمداً في مقام خطأ‏.‏

مثل أن يعرض له مستحسن فيغلبه الطبع فيطلق النظر ويتشاغل في حال نظره بالتذاذ الطبع عن تلمح معنى النهي فيكون كالغائب أو كالسكران فإذا انتبه لنفسه ندم على فعله فقام الندم بغسل تلك الأوساخ التي كانت كأنها غلطة لم تقصد‏.‏

فهذا معنى قوله تعالى‏:‏ ‏
«‏ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفْ مِنَ الشيطان تَذَكّرُوا فَإذَا هم مُبْصِرُونَ ‏» ‏‏.‏

فأما المداوم على تلك النظرة المردد لها المصر عليها فكأنه في مقام متعمد للنهي مبارز بالخلاف فالعفو يبعد عنه بمقدار إصراره‏.‏

ومن البعد أن لا يرى الجزاء على ذلك كما قال ابن الجلاء‏:‏ رآني شيخي وأنا قائم أتأمل حدثاً نصرانياً ما هذا لترين غبها ولو بعد حين فنسيت القرآن بعد أربعين سنة‏.‏

واعلم أنهم من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب فإن العقوبة تتأخر‏.‏

ومن أعظم العقوبة أن لا يحس الإنسان بها وأن تكون في سلب الدين وطمس القلوب وسوء الاختيار للنفس فيكون من آثارها سلامة البدن وبلوغ الأغراض‏.‏

قال بعض المعتبرين‏:‏ أطلقت نظري فيما لا يحل لي ثم كنت أنتظر العقوبة فألجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه فلقيت المشاق ثم أعقبت ذلك موت أعز الخلق عندي وذهاب أشياء كان لها وقع عظيم عندي ثم تلافيت أمري بالتوبة فصلح حالي‏.‏

ثم عاد الهوى فحملين على إطلاق بصري مرة أخرى فطمس قلبي وعدمت رقته واستلب فلما تأملت ما عوضت وما سلب مني صحت من ألم تلك السياط‏.‏

فها أنا أنادي من على الساحل‏:‏ إخواني احذروا لجة هذا البحر ولا تغتروا بسكونه وعليكم بالساحل ولازموا حصن التقوى فالعقوبة مرة‏.‏

واعلموا أن في ملازمة التقوى مرارات من فقد الأغراض والمشتهيات غير أنها في ضرب المثل كالحمية تعقب صحة والتخليط ربما جلب موت الفجأة‏.‏

وبالله لو نمتم على المزابل مع الكلاب في طلب رضى المبتلي كان قليلاً في نيل رضاه‏.‏

ولو بلغتم نهاية الأماني من أغراض الدنيا مع إعراضه عنكم كانت سلامتكم هلاكاً وعافيتكم مرضاً وصحتكم سقماً والأمر بآخره والعاقل من تلمح العواقب‏.‏

وصابروا رحمكم الله تعالى هجير البلاء فما أسرع زواله‏.‏

والله الموفق إذ لا حول إلا به ولا قوة إلا بفضله‏.‏






صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي 

0 comments: