ويدع الجاحدين المكذبين المستهترين في مشهد العذاب يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم , ليلتفت إلى المؤمنين , الذين يفتنهم أولئك المكذبون عن دينهم , ويمنعونهم من عبادة ربهم . . يلتفت إليهم يدعوهم إلى الفرار بدينهم , والنجاة بعقيدتهم . في نداء حبيب وفي رعاية سابغة , وفي أسلوب يمس كل أوتار القلوب:
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة , فإياي فاعبدون . كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها , نعم أجر العاملين , الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . وكأي من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم , وهو السميع العليم . .
إن خالق هذه القلوب , الخبير بمداخلها , العليم بخفاياها , العارف بما يهجس فيها, وما يستكن في حناياها . . إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب:ياعبادي الذين آمنوا:يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها , لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها . بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها: (يا عبادي). .
هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية: (إن أرضي واسعة). .
أنتم عبادي . وهذه أرضي . وهي واسعة . فسيحة تسعكم . فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق , الذي تفتنون فيه عن دينكم , ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم ? غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة , ناجين بدينكم , أحرارا في عبادتكم (فإياي فاعبدون).
إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة . ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين:بالنداء الحبيب القريب: (ياعبادي(وبالسعة في الأرض: (إن أرضي واسعة)وما دامت كلها أرض الله , فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه
0 comments:
Post a Comment