ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه.
فما رأيت طريقاً للخلاص.
فعرضت لي هذه الآية: « وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً » فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم.
فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى وامتثال أمره فإن ذلك سبب لفتح كل مرتج.
ثم أعجبه أن يكون من حيث لم يقدره المتفكر المحتال المدبر كما قال عز وجل: « وَيَرْزُقْه مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » .
ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله عز وجل كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب فقد قال عز وجل: فصل حكمة الإبطاء في إجابة الدعاء من العجب إلحاحك في طلب أغراضك وكلما زاد تعويقها زاد إلحاحك.
وتنسى أنها قد تمتنع لأحد أمرين إما لمصلحتك فربما معجل أذى وإما لذنوبك فإن صاحب الذنوب بعيد من الإجابة.
فنظف طرق الإجابة من أوساخ المعاصي.
وانظر فيما تطلبه هل هو لإصلاح دينك أو لمجرد هواك.
فإن كان للهوى المجرد.
فاعلم أن من اللطف بك والرحمة لك تعويقه.
وأنت في إلحاحك بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه فيمنع رفقاً به.
وإن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره أو كان صلاح الدين بعدمه.
وفي الجملة تدبير الحق عز وجل لك خير من تدبيرك وقد يمنعك ما تهوى ابتلاء ليبلو صبرك.
فأره الصبر الجميل تر عن قرب ما يسر.
ومتى نظفت طرق الإجابة من أدران الذنوب وصبرت على ما يقضيه لك.
فكل ما يجري أصلح لك.
عطاء كان أو منعاً.
يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً.
ولا يغترر بالشباب والصحة فإن أقل من يموت الأشياخ وأكثر من يموت الشبان.
ولهذا يندر من يكبر وقد أنشدوا: يعمّر واحدٌ فيغرّ قوماً وينسى من يموت من الشباب ومن الاغترار طول الأمل وما من آفة أعظم منه.
فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
وإنما يقدم المعاصي ويؤخر التوبة لطول الأمل وتبادر الشهوات وتنسى الإنابة لطول الأمل.
وإن لم تستطع قصر الأمل فاعمل عمل قصير الأمل.
ولا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك فإن رأيت زلة فامحها بتوبة أو خرقاً فارقعه باستغفار.
وإذا أصبحت فتأمل ما مضى في ليلك.
وإياك والتسويف فإنه أكبر جنود إبليس: وخذ لك منك على مهلة ومقبل عيشك لم يدبر وخف هجمة لا تقيل العثا - ر وتطوى الورود على المصدر ثم صور لنفسك قصر العمر وكثرة الأشغال وقوة الندم على التفريط عند الموت وطول الحسرة على البدار بعد الفوت.
وصور ثواب الكاملين وأنت ناقص والمجتهدين وأنت متكاسل.
ولا تخل نفسك من موعظة تسمعها وفكرة تحادثها بها.
فإن النفس كالفرس المتشيطن إن أهملت لجامه لم تأمن أن يرمي بك.
وقد والله دنستك أهواؤك وضيعت عمرك.
فالبدار البدار في الصيانة قبل تلف الباقي بالصبابة.
فكم تعرقل في فخ الهوى جناح حازم وكم وقع في بئر بوار مخمور.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
0 comments:
Post a Comment