فكيف بك وأنت عبد على الحقيقة لمولى ما زال يحسن إليك من ساعة وجودك.
وإن ستره عليك الزلل أكثر من عدد الحصا.
أفما تذكرين كيف رباك وعلمك ورزقك ودافع عنك وساق الخير إليك وهداك أقوم طريق ونجاك من كل كيد.
وضم إلى حسن الصورة الظاهرة جودة الذهن الباطن.
وسهل لك مدارك العلوم حتى نلت في قصير الزمان ما لم ينله غيرك في طويله.
وجلى في عرصة لسانك عرائس العلوم في حلل الفصاحة بعد أن ستر عن الخلق مقابحك فتلقوها منك بحسن الظن.
وساق رزقك بلا كلفة تكلف ولا كدر من رغداً غير نزر.
فوالله ما أدري أي نعمة عليك أشرح لك حسن الصورة وصحة الآلات أم سلامة المزاج واعتدال التركيب أم لطف الطبع الخالي عن خساسة أم إلهام الرشاد منذ الصغر أم الحفظ بحسن الوقاية عن الفواحش والزلل أم تحبب طريق النقل واتباع الأثر من غير جمود على تقليد لمعظم ولا انخراط في سلك مبتدع.
« وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها » .
كم كائد نصب لك المكايد فوقاك.
كم عدو حط منك بالذم فرقاك.
كم أمات من لم يبلغ بعض مرادك وأبقاك.
فأنت تصبحين وتمسين سليمة البدن محروسة الدين في تزيد من العلم وبلوغ الأمل.
فإن منعت مراد فرزقت الصبر عنه بعد أن تبين لك وجه الحكمة في المنع فسلمي حتى يقع اليقين بأن المنع أصلح.
ولو ذهبت أعد من هذه النعم ما سنح ذكره امتلأت الطروس ولم تنقطع الكتابة.
وأنت تعلمين أن ما لم أذكره أكثر وأن ما أومأت إلى ذكره لم يشرح.
فكيف يحسن بك التعرض لما يكرهه « معاذ اللّه إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون » .
صيد الخاطر_أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
0 comments:
Post a Comment