أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا


على أن الإسلام لا يغلق الأبواب في وجه الخاطئين والخاطئات , ولا يطردهم من المجتمع إن أرادوا أن يعودوا إليه متطهرين تائبين , بل يفسح لهم الطريق ويشجعهم على سلوكه . ويبلغ من التشجيع أن يجعل الله قبول توبتهم - متى أخلصوا فيها - حقا عليه سبحانه يكتبه على نفسه بقوله الكريم . وليس وراء هذا الفضل زيادة لمستزيد .
(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب . فأولئك يتوب الله عليهم . وكان الله عليما حكيما . وليست التوبة للذين يعملون السيئات , حتى إذا حضر أحدهم الموت قال:إني تبت الآن , ولا الذين يموتون وهم كفار . أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما).
ولقد سبق في هذا الجزء حديث عن التوبة . في ظلال قوله تعالى في سورة آل عمران: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم . . .)وهو بجملته يصح نقله هنا ! ولكن التعبير في هذه السورة يستهدف غرضا آخر . . يستهدف بيان طبيعة التوبة وحقيقتها:
إن التوبة التي يقبلها الله , والتي تفضل فكتب على نفسه قبولها هي التي تصدر من النفس , فتدل على أن هذه النفس قد أنشئت نشأة أخرى . قد هزها الندم من الأعماق , ورجها رجا شديدا حتى استفاقت فثابت وأنابت , وهي في فسحة من العمر , وبحبوحة من الأمل , واستجدت رغبة حقيقية في التطهر , ونية حقيقية في سلوك طريق جديد . .
(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم . وكان الله عليما حكيما). .
والذين يعلمون السوء بجهالة هم الذين يرتكبون الذنوب . . وهناك ما يشبه الإجماع على أن الجهالة هنا معناها الضلالة عن الهدى - طال أمدها أم قصر - ما دامت لا تستمر حتى تبلغ الروح الحلقوم . . والذين يتوبون من قريب:هم الذين يثوبون إلى الله قبل أن يتبين لهم الموت , ويدخلوا في سكراته , ويحسوا أنهم على عتباته . فهذه التوبة حينئذ هي توبة الندم , والانخلاع من الخطيئة , والنية على العمل الصالح والتكفير . وهي إذن نشأة جديدة للنفس , ويقظة جديدة للضمير . . (فأولئك يتوب الله عليهم). . (وكان الله عليما حكيما). . يتصرف عن علم وعن حكمة . ويمنح عباده الضعاف فرصة العودة إلى الصف الطاهر , ولا يطردهم أبدا وراء الأسوار , وهم راغبون رغبة حقيقية في الحمى الآمن والكنف الرحيم .
إن الله - سبحانه - لا يطارد عباده الضعاف , ولا يطردهم متى تابوا إليه وأنابوا . وهو - سبحانه - غني عنهم , وما تنفعه توبتهم , ولكن تنفعهم هم أنفسهم , وتصلح حياتهم وحياة المجتمع الذي يعيشون فيه . ومن ثم يفسح لهم في العودة إلى الصف تائبين متطهرين

0 comments: