أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ




ذلك أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرا عظيما من قوارير أى من زجاج وأجرى تحته الماء فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه واختلفوا في السبب الذي دعا سليمان عليه السلام إلى اتخاذه فقيل إنه عزم على تزوجها واصطفائها لنفسه ذكر له جمالها وحسنها ولكن في ساقيها هلب عظيم ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة فساءه ذلك فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا؟ هكذا قول محمد بن كعب القرظي وغيره فلما دخلت وكشفت عن ساقيها رأى أحسن الناس ساقا وأحسنهم قدما لو كن رأى على رجليها شعرا لأنها ملكة ليس لها زوج فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل له الموسى فقالت لا أستطيع ذلك وكره سليمان ذلك وقال للجن اصنعوا شيئا غير الموسى يذهب به هذا الشعر فصنعوا له النورة وكان أول من اتخذت له النورة قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والسدي وابن جريج وغيرهم وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم من سلطانها فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لا تشك أنه ماء تخوضه فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله وقال الحسن البصري: لما رأت العلجة الصرح عرفت والله أن قد رأت ملكا أعظم من ملكها وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه قال: أمر سليمان بالصرح وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته ثم وضع له فيه سريره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس ثم قال لها ادخلي الصرح ليريها ملكا هو أعز من ملكها وسلطانا هو أعظم س سلطانها "فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها" لا تشك أنه ماء تخوضه قيل لها "إنه صرح ممرد من قوارير" فلما وقفت على سليمان دعاها إلى عبادة الله عز وجل وحده وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله فقالت بقول الزنادقة فوقع سليمان ساجدا إعظاما لما قالت وسجد معه الناس فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع فلما رفع سليمان رأسه قال ويحك ماذا قلت؟ قالت أنسيت ما قلت؟ فقالت "رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين" فأسلمت وحسن إسلامه
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ **إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ
"إني وجدت امرأة تملكهم" قال الحسن البصري وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ وقال قتادة: كانت أمها جنية وكأن مؤخر قدميها مثل حافر الدابة من بيت مملكة وقال زهير بن محمد وهي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان وأمها فارغة الجنية وقال ابن جريج بلقيس بنت ذي شرخ وأمها بلتعة


وقال ابن أبى حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا مسدد حدثنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان مع صاحبة سليمان مائه الف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال الأعمش عن مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: "إني وجدت امرأة تملكهم"

كانت من بيت مملكة وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل وكانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء وهذا القول هو أقرب على أنه كثير على مملكة اليمن والله أعلم وقوله " وأوتيت من كل شيء" أي من متاع الدنيا مما يحتاج إليه الملك المتمكن "ولها عرش عظيم"

يعني سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلئ قال زهير بن محمد كان من ذهب وصفحاته مرمولة بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وقال محمد بن إسحاق كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ وكان إنما يخدمها النساء ولها ستمائة امرأة تلي الخدمة قال علماء التاريخ: وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم وكان فيه ثلثمائة وستون طاقة من مشرقه ومثلها من مغربه قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة وتغرب من مقابلتها فيسجدون لها صباحا ومساء.
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ


في الصحيحين "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض" وفي رواية "لا يلقي لها بالا".
وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

يذكر تعالى عن أيوب " ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير وأولاد كثيرة ومنازل مرضية فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره ثم ابتلي في جسده يقال بالجذام في سائر بدنه ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل حتى عافه الجليس وأفرد في ناحية من البلد ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته كانت تقوم بأمره ويقال إنها احتاجت فصارت تخدم الناس من أجله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل " وفي الحديث الآخر " يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه " وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر وبه يضرب المثل في ذلك.

وقال يزيد بن ميسرة لما ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له أحسن الذكر ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة آلا قد دخله ذلك فأخذت ذلك كله مني وفرغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني.

قال فلقي إبليس من ذلك منكرا قال وقال أيوب عليه السلام يا رب إنك أعطيتني المال والولد فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته وأنت تعلم ذلك وإنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها وأقول لنفسي: يا نفس إنك لم تخلقي لوطء الفراش ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك.

رواه ابن أبي حاتم وقد روي عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين وفيها غرابة تركناها لحال لطول وقد روى أنه مكث في البلاء مدة طويلة ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء فقال الحسن وقتادة ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهرا ملقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن عليه الثناء.

وقال وهب بن منبه مكث في البلاء ثلاث سنين لا يزيد ولا ينقص وقال السدي:" تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالرماد يكون فيه فقالت له امرأته لما طال وجعه يا أيوب لو دعوت ربك يفرج عنك فقال قد عشت سبعين سنة صحيحا فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة فجزعت من ذلك فخرجت فكانت تعمل للناس بالأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه وإن إبليس انطلق إلى رجلين من أهل فلسطين كانا صديقين له وأخوين فأتاهما فقال أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا فاتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما فإنه إن شرب منه برئ فأتياه فلما نظرا إليه بكيا فقال من أنتما فقالا نحن فلان وفلان فرحب بهما وقال مرحبا بمن لا يجفوني عند البلاء فقالا يا أيوب لعلك كنت تسر شيئا وتظهر غيره فلذلك ابتلاك الله فرفع رأسه إلى السماء فقال: هو يعلم ما أسررت شيئا أظهرت غيره ولكن ربي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع فقالا له يا أيوب اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه برأت قال فغضب وقال جاءكما الخبيث فأمركما بهذا؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما علي حرام فقاما من عنده وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لأهل بيت لهم صبي فجعلت لهم قرصا وكان ابنهم نائما فكرهوا أن يوقظوه فوهبوه لها فأتت به إلى أيوب فأنكره وقال ما كنت تأتيني بهذا فما بالك اليوم فأخبرته الخبر قال فلعل الصبي قد استيقظ فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله فانطلقي به إليه فأقبلت حتى بلغت درجة القوم فنطحتها شاة لهم فقالت تعس أيوب الخطاء فلما صعدت وجدت الصبي فد استيقظ وهو يطلب القرص ويبكي على أهله لا يقبل منهم شيئا غيره فقالت: رحمه الله يعني أيوب فدفعت إليه القرص ورجعت ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب فقال لها إن زوجك قد طال سقمه فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابا فليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك فقالت ذلك لأيوب فقال قد أتاك الخبيث.

لله علي إن برأت أن أجلدك مائة جلدة فخرجت تسعى عليه فحظر عنها الرزق فجعلت لا تأتى أهل بيت فيريدونها فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنا فباعته من صبية من بنات الأشراف فأعطوها طعاما طيبا كثيرا فأتت به أيوب فلما رآه أنكره وقال من أين لك هذا قالت عملت لأناس فأطعموني فأكل منه فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد فحلقت أيضا قرنا فباعته من تلك الجارية فأعطوها أيضا من ذلك الطعام فأتت به أيوب فقال والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو فوضعت خمارها فلما رأى رأسها محلوقا جزع جزعا شديدا فعند ذلك دعا الله عز وجل فقال " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا أبو عمران الجوني عن نوف البكالي أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له مبسوط قال وكانت امرأة أيوب تقول ادع الله فيشفيك فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه فعند ذلك قال " رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " وحدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال كان لأيوب عليه السلام أخوان فجاءوا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما للآخر لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ثم قال: اللهم بعزتك ثم خر ساجدا فقال اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني فما رفع رأسه حتى كشف عنه وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعا ينحو هذا فقال أخبرنا يونس بن عيد الأعلى أخبرنا ابن وهب اخبر نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له كانا يغدوان إليه فقال ويروحان فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه وما ذاك؟ قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب عليه السلام ما أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق قال وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبل فلما كان ذات يوم أبطأت عليه فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " رفع هذا الحديث غريب جدا.

وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله أين ذهب هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب فجعلت تكلمه ساعة.

فقال ويحك أنا أيوب قالت أتسخر مني يا عبد الله؟ فقال ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي وبه قال ابن عباس ورد عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم وقال وهب بن منبه أوحى الله إلى أيوب قد رددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معه فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك وقرب عن صحابتك قربانا واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك رواه ابن أبي حاتم.

وقال أيضا حدثنا أبو زرعة حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ منه بيده ويجعله في ثوبه قال فقيل له يا أيوب أما تشبع؟ قال يا رب ومن يشبع من رحمتك؟ " أصله في الصحيحين وسيأتي في موضع آخر.
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ


قال الله " يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم " قال لم يبق نار في الأرض إلا طفئت وقال كعب الأحبار لم ينتفع أحد يومئذ بنار ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه وقال الثوري عن الأعمش عن شيخ عن علي بن أبي طالب " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قال لا تضر به وقال ابن عباس وأبو العالية لولا أن الله عز وجل قال " وسلاما " لآذى إبراهيم بردها وقال جويبر عن الضحاك " كوني بردا وسلاما على إبراهيم " قالوا صنعوا له حظيرة من حطب جزل وأشعلوا فيه النار من كل جانب فأصبح ولم يصبه منها شيء حتى أخمدها الله قال ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق فلم يصبه منها شيء غير ذلك وقال السدي كان معه فيها ملك الظل.

وقال علي بن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا يوسف بن موسى حدثنا مهران حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن المنهال بن عمرو قال أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار قال فكان فيها إما خمسين وإما أربعين قال ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا إذ كنت فيها وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها وقال أبو زرعة ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال إن أحسن شيء قال أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار وجده يرش جبينه قال عند ذلك نعم الرب ربك يا إبراهيم وقال قتادة لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ وقال الزهري أمر النبي "صلى الله عليه وسلم" بقتله وسماه فويسقا.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا عبيد الله بن أخي ابن وهب حدثني عمي حدثنا جرير بن حازم أن نافعا حدثه قال حدثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح؟ فقالت نقتل به هذه الأوزاغ إن رسول الله" صلى الله عليه وسلم" قال "إن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم" فأمرنا رسول الله" صلى الله عليه وسلم" بقتله.

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ

لما ألقوه قال: حسبي الله ونعم الوكيل كما رواه البخاري عن ابن عباس أنه قال حسبي الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا إن الناس فد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وروى الحافظ أبو يعلى حدثنا ابن هشام حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله" صلى الله عليه وسلم": " لما ألقى إبراهيم عليه السلام في النار قال الله إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد أعبدك " ويروى أنه لما جعلوا يوثقونه قال: لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك وقال شعيب الجبائي كان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة فالله أعلم وذكر بعض السلف أنه عرض له جبريل وهو في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا وأما من الله فبلى وقال سعيد بن جبير ويروى عن ابن عباس أيضا قال لما ألقي إبراهيم جعل خازن المطر يقول متى أومر بالمطر فأرسله قال فكان أمر الله أسرع من أمره.
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرً

قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا بشر بن المنذر حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس الغساني عن أبي حجيرة عن أبي ذر رفعه قال: إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل لا إله إلا الله محمد رسول الله.


وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاح وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء وكان نساجًا وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة وورد به الحديث المتقدم وإن صح لا ينافي قول عكرمة أنه كان مالا لأنهم ذكروا أنه كان لوحًا من ذهب وفيه مال جزيل أكثر ما زادوا أنه كان مودعًا فيه علم وهو حكم ومواعظ والله أعلم وقوله " وكان أبوهما صالحا " فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم كما جاء في القرآن ووردت به السنة.



وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا

وهو يشوع بن نون هذا الكلام أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى
حدثنا صدقة بن عمر الغساني حدثنا عباد المنقري سمعت الحسن البصري يقول: كان اسم كبش إبراهيم عليه الصلاة والسلام جرير واسم هدهد سليمان عليه السلام عنفز واسم كلب أصحاب الكهف قطمير واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه بهموت.

وهبط آدم عليه السلام بالهند وحواء بجدة وإبليس بدست بيسان والحية بأصفهان وقد تقدم عن شعيب الجبائي أنه سماه حمران واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها بل هي مما ينهى عنه فإن مستندها رجم بالغيب وقوله تعالى " لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " أي أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم لما ألبسوا من المهابة والذعر لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب أجله وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فهم لما له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة.
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا


قوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض " يقول تعالى وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم و أنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السموات والأرض فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية فكان أول من جلس منهم وحده أحدهم جلس تحت ظل شجرة فجاء الآخر فجلس إليها عنده وجاء الآخر فجلس إليهما وجاء الآخر فجلس إليهم وجاء الآخر وجاء الأخر ولا يعرف واحد منهم الآخر وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري تعليقًا من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف "وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقولون الجنسية علة الضم: والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ماهو عليه عن أصحابه خوفًا منهم ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم: تعلمون والله ياقوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء فليظهر كل واحد منكم بأمره فقال آخر: أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه فعرفت أنه باطل وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولايشرك به شيئًا هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وقال الآخر: وأنا والله وقع لي كذلك وقال الآخر كذلك حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة فصاروا يدًا واحدة وإخوان صدق فاتخذوا لهم معبدًا يعبدون الله فيه فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل ولهذا أخبر تعالى عنهم:بقوله " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والارض لن ندعو من دونه إلها " ولن لنفي التأبيد أي لا يقع منا هذا أبدًا لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلاولهذا قال عنهم " لقد قلنا إذا شططا" أي باطلاً وكذبًا وبهتانً