أفلا يتدبرون القرآن

أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُممُّهْتَدُونَ


ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون . حتى إذا جاءنا قال:يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين . فبئس القرين . ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون). .

والعشى كلال البصر عن الرؤية , وغالباً ما يكون عند مواجهة الضوء الساطع الذي لا تملك العين أن تحدق فيه ; أو عند دخول الظلام وكلال العين الضعيفة عن التبين خلاله . وقد يكون ذلك لمرض خاص . والمقصود هنا هو العماية والإعراض عن تذكر الرحمن واستشعار وجوده ورقابته في الضمير .

(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين). .

وقد قضت مشيئة الله في خلقة الإنسان ذلك . واقتضت أنه حين يغفل قلبه عن ذكر الله يجد الشيطان طريقه إليه , فيلزمه , ويصبح له قرين سوء يوسوس له , ويزين له السوء . وهذا الشرط وجوابه هنا في الآية يعبران عن هذه المشيئة الكلية الثابتة , التي تتحقق معها النتيجة بمجرد تحقق السبب , كما قضاه الله في علمه .

ووظيفة قرناء السوء من الشياطين أن يصدوا قرناءهم عن سبيل الله , بينما هؤلاء يحسبون أنهم مهتدون:

(وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون). .

وهذا أسوأ ما يصنعه قرين بقرين . أن يصده عن السبيل الواحدة القاصدة ; ثم لا يدعه يفيق , أو يتبين الضلال فيثوب ; إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم ! حتى يصطدم بالمصير الأليم .

والتعبير بالفعل المضارع:(ليصدونهم). .(ويحسبون). . يصور العملية قائمة مستمرة معروضة للأنظار ; يراها الآخرون , ولا يراها الضالون السائرون إلى الفخ وهم لا يشعرون .

ثم تفاجئهم النهاية وهم سادرون:

(حتى إذا جاءنا قال:يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين . فبئس القرين)!

وهكذا ننتقل في ومضة من هذه الدنيا إلى الآخرة . ويطوى شريط الحياة السادرة , ويصل العمي (الذين يعشون عن ذكر الرحمن)إلى نهاية المطاف فجأة على غير انتظار . هنا يفيقون كما يفيق المخمور , ويفتحون أعينهم بعد العشى والكلال ; وينظر الواحد منهم إلى قرين السوء الذي زين له الضلال , وأوهمه أنه الهدى !

0 comments: